حوار - غريب سعد
مع تصدر أخبار "بتكوين" والعملات المشفرة عناوين الأخبار الاقتصادية حول العالم، تدور أسئلة كثيرة بشأنها في أذهان الجمهور. وفي محاولة لتوضيح بعض التساؤلات، استناداً إلى ما هو متاح في المجال العام من معلومات موثقة، نجيب في ما يلي على بعض الأسئلة حول "بتكوين". وينسحب ذلك أيضاً على بقية العملات المشفرة:
- هل هي عملة أم لا؟
"بتكوين" ليست عملة، إذ لا تتوفر فيها معايير العملة النقدية المضمونة من بنك مركزي يصدرها وقيمتها مرتبطة باقتصاد بلد البنك المركزي وتتمتع باستقرار نسبي. هي أقرب لكونها أصلاً رقمياً يتم التداول عليها وتخضع للمضاربات ويمكن تبادلها في عمليات بيع وشراء، لكن في النهاية تتم تلك العمليات بحسب سعر الأصل الرقمي عند تحويله لعملة نقدية رسمية.
تعود تسميتها عملة لأن التداول بها بدأ على الإنترنت الخفي، في تعاملات عصابات الجريمة المنظمة وشراء وبيع المخدرات والدعارة وغيرها على الإنترنت المظلم (Dark web). ذلك لأن من ابتكرها طورها على أساس كونها شيفرة كمبيوتر مؤمنة ذات خصوصية عالية – فلا يعرف من يملكها ولا من يتداول بها إلخ.. وتلك أهم ميزات الإنترنت المظلم حيث الخصوصية مطلقة تقريباً.
- من يصدر "بتكوين" ويتحكم فيها؟
لا أحد ولا جهة تصدر "بتكوين" أو العملات المشفرة، إنما هي مركب معقد من شيفرات برامج كمبيوتر مسجلة على شبكة غاية في التأمين تسمى "بلوكتشين". وتلك الشبكة هي "الدفتر العام" لتسجيل عملات "بتكوين" المتوفرة. تُنتج كل عملة عبر عملية معقدة تسمى "التنجيم"– أي يقوم شخص بعمل يشبه استخراج المعادن، لكن في هذه الحالة يستخرج وحدة برامجية على شبكة البلوكتشين للعملة. وتحتاج تلك العملية لحواسيب قوية تعمل لفترات طويلة. وكلما زاد عدد وحدات العملة المشفرة زادت عملية التنجيم تعقيداً واحتاجت لفترات أطول وقدرات وطاقة أكبر. ومن ابتكر برمجية الـ"بتكوين" في البداية حدد عدداً نهائياً لها، فهي في النهاية لا يمكن أن تزيد على ٢١ مليون عملة "بتكوين".
وتعود فكرة "عدم مركزية العملة" - أي ألا تكون منظمة من أي جهة وتصبح مطلقة الخصوصية - لبعض الاقتصاديين الليبراليين النمساويين ومنهم فريدريك فون هايك الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام ١٩٧٤. ويعتقد أن من طوروا "بتكوين" تأثروا بأفكاره.
وبعد أن طورها مجهول عام ٢٠٠٨وبدأ استخدامها في تعاملات الإنترنت المظلم في ٢٠٠٩، تأسست في ٢٠١٢ مؤسسة "بتكوين" وسجلت في الولايات المتحدة كجمعية غير ربحية. وهي مجموعة من المبرمجين والمطورين لبرامج الكمبيوتر يقومون بتحديث شبكة البلوكتشين. لكن المؤسسة لا تتحكم في العملة ولا في من يستخدمها.
- من يستخدم "بتكوين"؟
يمكن لأي شخص أن يستخدم "بتكوين"، وكل ما يحتاجه هو عمل محفظة إلكترونية على موقع "بتكوين". ويمكن لأي شخص أن يقوم بعملية "التنجيم" للحصول على عملة، لكن ذلك طبعاً يحتاج إلى قدرات إلكترونية هائلة واستهلاك طاقة عالي الكلفة حتى يتمكن المستخدم من الحصول على "بلوك" على شبكة البلوكتشين ويتم تدقيق وإقرار البلوك من كل البلوكات على الشبكة. وإذا كان ذلك في البداية يحتاج أياماً من عمل أجهزة كمبيوتر قوية طوال الوقت فربما يأخذ ذلك عدة أشهر. لذا يلجأ البعض لما يسمى "التنجيم المشترك"، أي تقوم مجموعة بربط أجهزتها معاً لتقليل الوقت حتى الوصول إلى تكوين عملة على الشبكة.
في البداية، ولأكثر من عامين، كانت "بتكوين" معروفة للمتعاملين على الإنترنت المظلم، حتى استُخدمت لأول مرة عام ٢٠١٠ من قبل أحد مبرمجي الكمبيوتر في شراء بيتزا.
وقبل فترة وجيزة، ومع التذبب الهائل في سعر العملة المشفرة، أصبحت وجهة للمستثمرين المغامرين لشرائها بانتظار ارتفاع سعرها ثم بيعها وتحقيق أرباح طائلة وصلت في الآونة الأخيرة إلى عشرات المليارات.
- هل تستخدم في التعاملات أم للاستثمار فقط؟
في البداية كانت تستخدم في التعاملات على الإنترنت المظلم كمقابل للسلع والخدمات، غير القانونية في الأغلب. وفور إطلاقها، أصبحت عملة التداول الرئيسة على أشهر مواقع التسوق على الإنترنت المظلم المعروف باسم "طريق الحرير". ذلك بالطبع لأنها توفر للمستخدمين من بائعين ومشترين خصوصية مطلقة، ويظل الجميع مجهولاً ويصعب مراقبته. لكن في السنوات الأخيرة أصبحت أصلاً استثمارياً، مثل الأسهم والسندات، يتميز بعدم استقرار شديد. ونتيجة القفزات الهائلة في سعرها، من بضع دولارات قبل عقد من الزمن إلى أكثر من٥٠ ألف دولار الآن، تتركز التعاملات فيها على مضاربات المستثمرين المغامرين. فكلما زادت المخاطر زادت الأرباح السريعة. ولأن عملة "بتكوين" مثلاً لها سقف نهائي لعدد وحداتها، فاحتمال ارتفاع قيمتها مع زيادة الطلب عليها يجعلها أصلاً استثمارياً رقمياً أكثر منها عملة تداول.
ولاحظت شركات الأبحاث والدراسات التي تتابع "بتكوين" تراجع استخدامها على الإنترنت المظلم منذ عام 2017. وفي السنوات الثلاث الأخيرة انخفض عدد معاملات "بتكوين" والوحدات المستخدمة على الإنترنت المظلم بأكثر من الثلث.
يشار أيضاً إلى أن بعض السلع والخدمات يمكن أن تقبل الدفع مقابلها بـ"بتكوين" أوعملات مشفرة، وهناك شركات أعلنت عن خطط لبدء قبول الدفع مقابل منتجاتها بـ"بتكوين".
- ما مدى أمان التعامل في "بتكوين"؟ شبكة بلوكتشين مصممة لتكون مؤمنة بشدة، حتى أن بعض الحكومات فكرت في استخدامها في بعض أعمالها الحساسة التي تحتاج إلى تأمين شديد. ولأنه ليس هناك خادم مركزي للشبكة التي تسجل عليها العملة، فإن تخزينها موزع بين حواسيب من يملكون العملة ويتعاملون بها. كما أن العملات المشفرة لأي شخص تستخدم درجتين من كلمات السر المعقدة، وعبر طبقتين من التشفير، ما يجعل التعامل مؤمناً إلى حد كبير. لكن بالطبع كل شيء على الإنترنت عرضة للاختراق، وفي يوليو (تموز) من العام الماضي حدث اختراق لحسابات مشاهير على موقع "تويتر" في عملية قرصنة لعملات "بتكوين" من بينها حساب الرئ